تحسين صلاح الخيّاط، رجل أعمال لبناني وصاحب مجموعة تحسين الخيّاط التي تعمل في مجالات النشر والطباعة والتوزيع، وهو رئيس مجلس إدارة قناة الجديد التلفزيونية. عُرِف الخيّاط بتوجّهه القومي العربي، واتّصف بشجاعته وجرأته في دعم قضايا الشعب اللّبناني والكشف عن المستور من ملفات تحمل شبهات فساد، وساند على مدار تاريخه حق الشعوب في تقرير مصيرها.
نبذة عن حياته.. النشأة في صيدا
وُلِد تحسين الخيّاط في حيّ القناية في صيدا الجنوبيّة بتاريخ 24 تشرين الأوّل 1942، والده القاضي صلاح الخيّاط الذي عُرِف بعدالته وجرأته على المواجهة في زمن الانتداب الفرنسي، ووالدته منيرة فواز.. الأم التي صنعت جيلاً من أدواتها البسيطة فاستثمرت في تعليم ابنائها.
وفي حصاد استثماراتها، تحسين الخياط الابن الثالث لعائلة تتألف من بشّار وحسّان عدنان وبشرى وملوكي.
تعود أصول العائلة إلى السيد أحمد الزين الذي استطاع الإفلات من حبل المشنقة على زمن جمال باشا السفاح وهرب إلى سوريا حيث كانت البداية في العمل اليدوي، فاكتسب شهرته من مهنة الخياطة وصار يُكنّى بـ”أحمد الخياط”، والتصقت به كنيته بعد عودته مع عائلته من سوريا لكونه ما زال مطلوبًا على لائحة المحكوم عليهم بالإعدام من المحاكم العرفية التركية، وعاد لمتابعة مقاومته ضد الأتراك في لبنان.
أنجب أحمد الخياط، تحسين الجد، الذي ربطته علاقة وثيقة بالمفتي بهاء الدين الزين فتزوّج أخت المفتي.
ترعرع تحسين الابن في عائلةٍ مقاومة منذ جدّ الجدّ، فتأثّر منذ صغره بجوّ المقاومة والعروبة الذي طغى على أفكاره ومبادئه ونضاله.
تعلّم في مدرسة الفنون الأميركيّة في صيدا، حيث التنوع الثقافي والطائفي، وكان يتردّد الى نادي الجهاد حيث كانت حركة القوميّين العرب تنظّم المحاضرات وبعض الأنشطة.
الجامعة و نشاط تحسين الخيّاط الساسي
انتقل تحسين الخيّاط الى بيروت في الستينيّات ليلتحق بالكليّة الدوليّة في بيروت IC، ثم الجامعة الأميركيّة في بيروت حيث أكمل المواد المطلوبة للالتحاق بكليّة الطب، لكن انشغاله بالنشاط السياسي و تنظيمه للحركات الطلابية داخل الجامعة غير مساره كطبيب، فاختار تخصّص علم الأحياء.
وخلال دراسة الماجستير، عمل الخيّاط كمدرّس في الجامعة عينها لمدّة عامٍ واحد، استمر الخياط خلاله في تنظيم التظاهرات السياسيّة للدفاع عن الحريّات والمواقف العروبيّة والقوميّة التي لطالما دافع عنها وناضل من أجلها.
لكن ما لبث أن استقال من مهامّ التدريس في الجامعة بعد أن تعرّف على بول خيّاط صاحب مكتبة خيّاط ووكيل موسوعات بريتانيكا، فبدأ يعمل معه كمندوب مبيعات لموسوعات بريتانيكا والتي كانت تعتبر عملة نادرة في عالم الكتب و مدخول بيعها كان يجني ارباح أعلى بكثير من راتب مدرس، ومنذ ذلك الحين دخل تحسين الخيّاط عالم الكتب المفتوح على المعرفة والربح في آن.
حياة تحسين الخيّاط المهنيّة.. الطباعة والنشر في الدول العربيّة
بدأ تحسين الخيّاط حياته المهنيّة كمندوب مبيعات لموسوعات بريتانيكا التي كان بول خيّاط وكيلها في المنطقة، ونجح في عمله وأنهى دراسته الجامعيّة حاصلًا على شهادة الماجيستر في علم الأحياء.
استطاع الخيّاط أن يحقّق أرقامًا قياسيّة في بيع الموسوعات والكتب، ما دفع بول خيّاط إلى إرساله الى الكويت لكي يعمل أيضًا على تطوير وتعزيز قسم المبيعات هناك والإشراف على مكتبة خيّاط في الكويت.
عام 1968 أعلن بول خيّاط إفلاس مكتبته في لبنان، فعاد تحسين الخياط الى بيروت لكي يساعد ربّ عمله في محنته، وبناءً على طلب بول سافر الخيّاط من جديد إلى الكويت علّه يستطيع مساعدة بول من خلال تأمين تمويلٍ لشركته من الكويت، لكنّ الإفلاس كان مصير هذه الشركة. عندها اقترح بول على الخيّاط أن يأخذ كتب المكتبة وموسوعات بريتانيكا ويتوجّه الى الكويت بهدف بيعها والاستفادة منها، بعدما تعذّر عليه أن يدفع له مستحقّاته، فوافق الخيّاط البالغ من العمر 24 سنة آنذاك، وانتقل إلى الكويت.
في الكويت
شارك الخيّاط بعض رجال الأعمال في شركة لبيع الكتب وأسّس شركة “المطبوعات للتوزيع والنشر”، وكانت مساهمته تقتصر على الكتب وموسوعات البريتانيكا التي حصل عليها من بول خيّاط، لكن هذه الشراكة لم تدم طويلًا لأن طموح الخيّاط دفعه إلى البحث عن شراكةٍ تعزّز مكانته في عالم الأعمال، فأنهى الخيّاط بالتوافق تعاونه مع شركائه الأوّلين وشارك عبد العزيز ملا حسين عبدالله التركي، والذي بعد تعيينه وزيرًا لشؤون مجلس الوزراء انسحب لصالح أخ زوجته محمد عبد السلام شعيب في هذه الشركة، غير أن الشراكة بينهما لم تدم طويلًا لعدم رغبة الشريك الجديد في العمل في مجال النشر والكتب، فاستحصل الخيّاط على رخصة جديدة لشركة “مؤسّسة اتحاد الخليج” وأصبح المفوّض الكامل عن هذه الشركة والتي استمرّت حتى يومنا هذا.
توجّه الخيّاط الى أبو ظبي حيث أسّس شركة لبيع الكتب تحمل اسم شركته السابقة في الكويت، “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، وعام 1969 افتتح المكتبة الأولى في أبو ظبي والتي تحوّلت الى معلم ثقافي وتربوي، نظرًا لكونها أوّل وأقدم مكتبة في إمارة أبو ظبي، ولا تزال هذه المكتبة موجودة حتى يومنا هذا.
استطاع الخيّاط أن يحقّق نجاحًا بارزًا في عالم الكتب والطباعة والنشر، فذاع صيته في عالم الأعمال وبنى علاقات وثيقة مع أهمّ دور النشر العربيّة والعالميّة ومع كبار الشخصيّات في الوطن العربي، ثمّ أسّس الخيّاط شركات تجاريّة لبيع الكتب في لبنان، قطر، عُمان، السعوديّة، لندن وباريس وتعاقد مع عددٍ من وزارات التربية والجامعات والمدارس في العالم العربي وبريطانيا.
ربطته صداقات وثيقة في عالم الصحافة مع أبرز أركانها وبينهم محمد حسنين هيكل، سليم اللوزي وغسان تويني، وكان ناشر كتب هيكل وأهمها كتاب “خريف الغضب” الذي وصلت نسبة مبيعاته إلى مستوى النسخ التي بيعت من القرآن الكريم، وكان الكتاب سبباً في القرار الذي اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات بسجن هيكل لأنه وصف في كتابه هذا جمال عبد الناصر بآخر العمالقة، كما مُنِع الخيّاط من دخول مصر طيلة ولاية السادات.
الطباعة والنشر في بريطانيا
انتقل بعدها الخيّاط الى إنجلترا حيث امتلك دار النشر الإنجليزيّة (Geoprojects) جيوبروجكتس والتي تخصّصت في أعمال الخرائط والأطالس، ثم توسّع عملها لتقوم بتطوير وإعداد المناهج الدراسية والوسائل التعليمية ونشر الكتب المدرسية لجميع المواد المألوفة والمستحدثة، فضلاً عن الاستشارات التربوية ودورات التدريب، وإعداد الدراسات التقويمية والأبحاث التربوية، ووضع القواميس.
عام 1979 أسّس الخيّاط شركة بالمناصفة مع Oxford university press التابعة لجامعة أكسفورد، وكانت هذه الشراكة هي الأولى من نوعها في تاريخ جامعة أكسفورد العريق، وحملت الشركة المزدوجة اسم “ELTA-OUP” “تعليم الإنجليزيّة للعالم العربي-دار جامعة أكسفورد للطباعة والنشر”. استمرت الشراكة حتى عام 1999 و من بعدها أسس الخياط شركة Garnet”” البريطانيّة التي ما تزال موجودة في بريطانيا حتى اليوم.
الطباعة والنشر في فرنسا
أسّس تحسين الخيّاط شركة إديفرا Edifra التي كانت تهتمّ بنشر اللّغة الفرنسيّة لغير الناطقين بها، بالتعاون مع دار النشر هاشيت، إضافةً الى نشر الكتب التي تهتمّ بالجانب الحضاري والثقافي والأدبي باللّغة الفرنسيّة. وأسّس في “معهد العالم العربي” في باريس مكتبةً لنشر وبيع الكتب التي تدعم الثقافتين العربيّة والفرنسيّة.
الاجتياح الإسرائيلي ومرحلة مساعدة أهالي المعتقلين
نشأ تحسين الخيّاط في بيئة عربيّة مقاومة وحافظ على هذا النهج العربي منذ صغره، فتجلّى نضاله العربيّ بشكل واضح في فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فقام الخيّاط بمساعدة أهالي الشهداء والمعتقلين خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وقدّم لهم الدعم المعنوي والمالي، كما فتح منزله للمقاومين وساعدهم بالتعاون مع مجموعة من الشباب الهاربين من الجيش الإسرائيلي.
إلّا أنّ الأحداث السياسيّة التي شهدها لبنان في تلك الفترة سبّبت مأساة شخصيّة للخيّاط، فبعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 التي تُعتبر من أفظع الجرائم ضدّ الإنسانيّة، تأثّر والد الخيّاط وأصابه اكتئاب شديد وفارق الحياة بعد أيّام متأثّرًا بحسرة لبنانية وبمشهد الاجتياح المذل لأول عاصمة عربية.
زواج و أولاد تحسين الخيّاط
تزوّج تحسين الخيّاط في الخامسة والثلاثين من عمره من السيّدة سمر سميح عسيران في تاريخ 30 حزيران من عام 1979، ورُزقا بخمسة أولاد هم بشرى، كريم، كرمى، ناديا وغيدا.
العمل الإعلامي.. تأسيس الجديد
انخرط تحسين الخيّاط في العمل الإعلامي عام 1991 بعدما تملّك تلفزيون الجديد، والذي كان يُعرف بالـNTV، فاشترى أسهمه من الحزب الشيوعي عبر نائب الأمين العام للحزب سعد الله مزرعاني الذي كانت تربطه به علاقة صداقة قويّة أيّام الدراسة في الجامعة، وغيّر اسم التلفزيون إلىNewTV ثمّ الى الجديد وهو الاسم الحالي للتلفزيون.
انغمست قناة الجديد في المسار الذي بدأه الخيّاط، وباتت منبرًا يدافع عن الحريّات ويدعم قضايا الناس والقضيّة الفلسطينيّة ومطالب الشعوب المحقّة ويواجه الفساد والفاسدين، من دون الارتهان لأي من الجهات المحلية والخارجية.
أُقفِلت محطّة الجديد الأرضيّة قسراً عام 1997 من جراء التدخل السوري والقمع الحكومي الموازي في مرحلة حكم الرئيس الراحل رفيق الحريري، ثم أعيد إطلاق المحطّتين الأرضيّة والفضائيّة في 2 تشرين الأول من عام 2001 بحكمٍ قضائي من مجلس شورى الدولة.
المواقف السياسية والوطنية.. توقيف تحسين الخيّاط
عُرف تحسين الخيّاط بجرأته وصلابته وخاصّةً خلال فترة الوصاية السوريّة على لبنان، فكانت قناة الجديد انعكاسًا لهذه الجرأة من خلال المواقف الإعلاميّة المناهضة لسياسات الوصاية والفساد والرضوخ والاستكانة، ومن أبرز حروبه ضدّ الفساد، المعركة التي خاضها وقناة الجديد ضدّ الفساد الوقح في بنك المدينة بغية الدفاع عن المودعين وأموالهم.
وتولت قناة الجديد منذ عام 2002 فتح ملف بنك المدينة، فحاز الخياط وثائق تثبت تورّط العميد السوري رستم غزالة وأفراد من عائلته بسحب ملايين الدولارات من المصرف ما أدى الى انهياره، وكانت هذه الواقعة السبب في اعتقال الخياط عبر النظام الأمني اللبناني السوري المشترك، ولُفّقت له تهمة العمالة مع إسرائيل زوراً.
اعتُقل الخيّاط في 7 كانون الأوّل من عام 2003 بتهمة زائفة، إلّا أنّ احتجازه لم يدم أكثر من يومٍ واحد، فبفعل صمود الخيّاط في السجن وعدم رضوخه لوسائل التهديد كافّةً و بفعل الضغوط اللّبنانيّة والعربيّة أُفرِج عنه، علمًا أنّ ملفّه كان فارغًا وما نُسِب إليه من تُهم كان من نسج خيال المتورّطين في فضيحة بنك المدينة، وتابع الخياط والجديد مسار انهيار بنك المدينة إلى أن نجحا، في معركةٍ كانت صعبة جدًّا، في استرداد حقوق 14 الف مودع لأموالهم.
التهديدات ومحاولات الاغتيال
على الرغم من تضرّر مصالح الخيّاط المهنيّة في الطباعة والنشر نتيجة مواقفه السياسيّة، إلّا أنّه لم يستكن ولم يتقاعس عن خوض معركته ضدّ الفساد والفاسدين، وقد تعرّض الخيّاط لمحاولات اغتيال عدة طالت مكتبه ومنزله وقناة الجديد، ومن أبرزها إطلاق 23 رصاصة على مكتبه، ومحاولة إحراق منزله بمن فيه وهجمات متكرّرة على مبنى التلفزيون، وعلى الرغم من خطورة المواقف التي واجهها، إلّا أنّه كان في كلّ مرّة يحتكم إلى القضاء والدولة رافضًا التواصل أو المقايضة مع أي جهة مسؤولة عن الاعتداء، مع أنّ التحقيقات الاستقصائيّة التي قام بها جهاز الاستقصاء في قناة الجديد تعرّف على الفاعلين، لكن لم يتمكّن القضاء والأجهزة الأمنيّة من اعتقالهم لأنّهم مدعومون ومحميّون من مافيا الحكم.
المحكمة الدولية.. ومعركة الجديد
في عام 2014 خاض تحسين الخياط أكثر معاركه شراسة لكن تحت سقف القانون الدولي، وذلك عندما ادّعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على قناة الجديد ونائبة رئيس مجلس إدارتها كرمى الخياط بتهمة تحقير المحكمة ونشر أسماء الشهود ومحاضر سرية، علمًا أنّ الجديد فضحت الفساد والممارسات الفاضحة لهذه المحكمة من رشاوى وتوظيف شهود زور وإجراء تحقيقات في غير موضعها وتوجّهات المحكمة التي لا توصل الى العدالة. وخاض الخياط هذه المعركة مع ابنته كرمى في لبنان ولاهاي على مدى عامين انتهت بتبرئة الجديد وكرمى الخياط من التهم المنسوبة إليهما، وذلك بعد مواجهة كرمى لهذه المحكمة بقوة وجرأة شهد لهما العالم كلّه وذلك بمؤازرة المحامي البريطاني العالمي كريم خان الذي تمّ تعيينه بعدها رئيسًا للادّعاء العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة التابعة للأمم المتّحدة.
المبادرات الفرديّة.. قضيّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا
اتّخذ نضال تحسين الخيّاط العربي أوجهاً عدّة، من خلال العمل الإعلامي والمواقف السياسيّة والمبادرات الفرديّة التي قام بها على صعيد لبنان والوطني العربي.
اضطّلع بمبادرات عدّة يتقدمها ملف الإمام المغيّب موسى الصدر، حيث فعّل وساطته بين لبنان ومصر وإيران وليبيا وقطر واستخدم علاقاته للوصول إلى الحقيقة التي كانت تصطدم بعوامل خارجية و موانع محلية لبنانية.
وآخر المبادرات تتعلّق بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي ترزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، فحاول الخيّاط من خلال علاقاته العربيّة وصداقاته إثارة قضيّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث أعدّ دراسات ووثائق تثبت لبنانيّة هذه المزارع، بهدف حثّ المجتمعين العربي والدولي على الضغط على إسرائيل للانسحاب من لبنان، وعلى الرغم من صعوبة خرق جدار الصمت، إلّا أن الخيّاط لم يتوانَ عن نضاله.